
قرات لك..
‘‘مقال للكاتب سعيد بن زقر‘‘
نشرت مقالاً بهذا العنوان في صحيفة المدينة الغراء في 8 ديسمبر ٢٠١٥م، ومفاده قصة حدثت لي وكنت أرافق الوالد رحمه الله المعاودة طبيبه في المستشفى الجامعي السويسري، وفي لحظة موعدنا دخلت امرأة أوروبية مسنة إلى الطبيب وشرعت على الفور تشكو الامها، ثم ما لبثت أن انهمرت الدموع من عينيها . لم نستوعب شيئًا. ولكن جبر الطبيب خاطرها بكلمات لعلها بالفرنسية اللغة الغالبة وطلب منها الانتظار خارج العيادة ريثما ينتهي من موعد والدي. ورغم أن المشهد الحزين لم يزد على دقيقة، إلا أن دموعها كانت أبلغ من اللغة ففهمناها. ونقلت لنا إحساسها وشكواها وتأثرها وآلامها وحالها فأثرت فينا ، فالإنسان إنسان، وكلكم لآدم.
ثم وضح الطبيب للوالد أنها ظلت تراجع عيادته منذ حين وتشتكي حالة في عينيها لا شفاء منها، وأن أبناءها لا يزورونها إلا مرة أو مرتين في العام. وأنها تطلب العلاج لعيونها باعتبار النظر أغلى ما تملك. وغادرنا العيادة، ولكن آلامها ودموعها سكنت جوانحنا ولا تزال في إحساسي الشخصي غادرت المستشفى ولم يغادرني المشهد . وكانت دموعها مثار نقاشنا مع الوالد في الطريق، وتساءلنا : من يرعاها ويخدمها حيث تقيم؟ وأين أبناؤها وأسرتها؟ ولماذا لا يزورونها إلا مرة أو مرتين في العام وتحت هذا الانطباع نشرت مقالي بالعنوان اعلام في جريدة المدينة.
واقترحت فيه التوسع في الخدمات الاجتماعية الخيرية للمسنين وتوفير وظائف تسهم في تحسين جودة الحياة، رغم أن مجتمعنا ولله الحمد – ما زال بخير وعافية فيما يتعلق برعاية المسنين. ولكن الوظائف كما رأيت وقتها – تقدم خدمة لكبار السن، ليس فقط في توفير الرعاية الاجتماعية والإيواء، بل إن ذلك النوع من التوظيف يخدم فكرة التكامل بما يشمل التدريب على العمل الطوعي والتدريب على معاني الوفاء للذين خدموا الوطن وربوا الأجيال وساهموا بطريقة أو أخرى في إضافة قيمة. وهذا النوع من التوظيف لا يعبر عن الوفاء فقط لمن خدم الوطن والمواطن، ولكنه بطريقة أو أخرى يسهم في تحقيق التنمية بمعناها الحقيقي الشامل، وفي رفع الناتج القومي، ويعطي الشباب والشابات فرصة للتأهيل السوق العمل. خاصة أن تمويل هذه الوظائف سيكون مركزيا ولكنه يدار لا مركزيا حسب الحاجة في كل منطقة من مناطق المملكة.
ومنذ عام ۲۰۱۵ وحتى اليوم حدثت تحولات نوعية بفضل رؤية المملكة التي نقلت الاقتصاد والمجتمع السعودي من مربع النمو إلى مستويات متقدمة من التنمية المستدامة والتطور التكنولوجي والرقمي والله الحمد . وقد قدمت الرؤية الكثير من المبادرات النوعية والتوعوية والخدمات لدعم كبار السن والمتقاعدين بهدف تحسين جودة حياتهم وضمان رفاهيتهم. ولعل أبرز هذه الجهود الرعاية الصحية والاجتماعية، عبر توفير خدمات صحية شاملة تشمل الرعاية الوقائية والعلاجية والتأهيل الطبي، بالإضافة إلى برامج الرعاية الصحية المنزلية.
كما تم تفعيل النظام القانوني والضمان الاجتماعي بإصدار نظام حقوق كبير السن ورعايته الذي يضمن كرامتهم واستقلاليتهم وتقديم معاشات تقاعدية تضمن حياة كريمة لهم، مع مراجعة دورية للمعاشات لتتناسب مع الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية بالمملكة. بل هناك وزارة للموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. وفي هذا السياق يأتي دور سادتنا الفقهاء في الحث على بر الوالدين وحسن التعامل معهم، وإبراز دور الأسرة والروابط الأسرية باعتبارها من أهم ركائز الأعمال الصالحة وترقى إلى أن تكون فرائض اجتماعية ويندرج ضمنها تكريم الإنسان واحترام مكانته والوفاء لحقه في التربية والتعليم والمساهمة في تعزيز طبيعة مجتمعنا ليكون متراحما متماسكا، متعاطفا، ومتعاونا كما أن من سنن نبينا الكريم توفير الكبير، وإكرام شيبته، وتقديم كل ما يصلح أمره ماديا ومعنويا، وهذه الفرائض واجبة على أسرة المسن، وذويه، وعلى المجتمع ككل. كما تدين تدان. فإذا وقرنا الكبير ورعينا حقوقه، فإن الله سبيسر لنا في كبرنا من يرعى حقوقنا جزاء من جنس إحساننا . وسيأتي علينا حتما يوم تكون فيه كبراء مسنين. ضعيفي البدن والحواس، نحتاج للرعاية والطبيب والدواء والعلاج. وعلى كل مسن لم يجد الرعاية من ذويه وأولاده أن يصبر ويحتسب فقد روى أبو هريرة – رضي الله عنه أن رسول الله – عليه الصلاة والسلام قال: لا يتمنى أحدكم الموت، ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله، وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا.. وأختم بما ورد في الأثر عن عمر بن الخطاب، وقد كان يسير يوما في الطريق فرأى رجلا يتسول، فقال له: مالك يا شيخ؟ فقال الرجل: أنا يهودي وأتسول لأدفع الجزية، فقال عمر : والله ما أنصفتاك: نأخذ منك شابا ثم نضيعك شيخا والله لأعطينك من مال المسلمين، وأمر له بعطية وراتب من بيت مال المسلمين، وتراثنا الإسلامي يفيض بهذه المعاني العظيمة منذ بواكير الإسلام، وخاصة في مسح الدموع وتخفيف الهموم والأحزان، ورعاية كبار السن، وتوفير احتياجاتهم والوفاء لأدوارهم.