قرات لكمقالات

نفحات في وداع رمضان

أوردت كتب السيرة النبوية الكثير من الأعمال والأفعال التي قام بها صلى الله عليه وسلم في رمضان، مثلما أوردت قيامه ودعاءه وتفقده للمساكين وكرمه وجوده في رمضان، وقد كان أجود من الريح المرسلة، ومما ورد أنه كان يودع رمضان بدعاء عميق الدلالة: اللهم لا تجعله آخر العهد من صيامنا إياه، فإن جعلته فاجعلني مرحوما، ولا تجعلني محروما … ونحن إذ نودع شهر رمضان هذه الأيام، فإن هذا الوداع يذكرنا بأن العمر سينقضي كما انقضى رمضان، وأن الليالي مبلية لكل جديد. ومفرقة عن كل لذيذ وحبيب، وأن الغافل من غرته لذة الحياة الدنيا، والعاقل من ردد دعاء رسولنا الكريم وهو يودع نهارات رمضان العامرة بالأذكار والنوافل ولياليه العامرة بالصلوات والدعوات والتهجد والقيام والتراويح.

ولا شك أن رمضان هذا العام أطل سريعا، وغادرتنا أيامه بأسرع من نسمة، والعزاء أن النبي صلى الله عليه وسلم بشرنا بأن للصائم فرحة عند فطره، وهي فرحة التوفيق بإكمال الصيام والقيام وتمام أداء العبادات والطاعات، فقال: (للصائم فرحتان فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، فتسأل الله أن نفرحبرمضان في الفطر ويوم الحساب.

وفي هذا السياق يقول الحسن البصري: «إن من جزاء الحسنة الحسنة بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها . فإذا قبل الله العبد فإنه يوفقه إلى الطاعة، ويصرفه عن المعصية.. وقال أيضا : يا ابن آدم إن لم تكن في زيادة فأنت في نقصان، ونقل عنه أنه قال إن من علامات قبول العمل التوفيق للعمل الصالح بعده ما يعني أن تلتزم بالأعمال الصالحة التي كنا نؤديها في رمضان ونستمر عليها، وأن تتقدم في أعمال الخير ونستقيم على الصراط المستقيم، وتسارع إلى الطاعات، وتحذر من السيئات، وأن نكف عن الذنوب والخطايا والشرور، وأن تكون حالنا أحسن مما كانت. وخاصة في الأعمال الصالحات يقول الدكتور النابلسي في تفسير قوله تعالى: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكْبَرُوا اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ): إذا رمضان نقلة نوعية من حال إلى حال من مقام إلى مقام من قلة انضباط إلى انضباط كامل من عبادة إلى إقبال من فتور إلى تألق. نقلة نوعية، لذلك قال تعالى : ( وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). بعد أن بلغت الأهداف التي أرادها الله في الصيام، تقول: الله أكبر، ما هذه الرحلة إلى الله ما هذا الإقبال على الله ما هذه الذات الإلهية الكاملة لذلك هو نوع من الهدايا الموسمية الاستثنائية، تحقق للصائم نقلة نوعية إذا كان صادقا في طلبها . وأضاف أن هذا لا يمنع أن تذكر بعض السلبيات في حياة المسلمين. مثل التبذير في الطعام والشراب والتركيز على الطعام أكثر من التركيز على التقرب إلى الله، وهو المعنى الصحيح للصيام.

وقد أشرت في مقال سابق إلى أن الله يريدنا أن نأخذ صفة من صفاته وتورا من أنواره، وأن تعرف الله؛ لأنك إذا عرفت الأمر ثم عرفت الأمر تفانيت في طاعة الأمر، كما يقول الشيخ النابلسي. أما إذا عرفت الأمر ولم تعرف الأمر، تفننت في التفلت من هذا الأمر، بمعنى أن الإنسان إذا لم يقتطع من وقته وقتا لمعرفة الله المعرفة أسمائه المعرفة أن إليه المصير. فماذا يكسب؟ وإذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ وإذا كنت مستقيما على أمر الله لك جنتان في الدنيا : جنة القرب في الدنيا، وجنة القرب في الآخرة، فمن عرف الله أحبه، ومن چهل ربه ابتعد عن ذكره وأداء العبادات والطاعات سواء كان في رمضان أو بعده.

قال الشاعر: تعصى الإله وأنت تظهر حبه ذاك العمري في المقال شنيع لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن يحب يطيع كان السلف يستقبلون رمضان ويودعونه بهذا الدعاء: «اللهم سلمني إلى رمضان، وسلم لي رمضان، وتسلمه مني تقبلا. اللهم اختم لنا شهر رمضان بغفرانك، والعتق من نيرانك، وأعده علينا أعواما عديدة وأزمنة مديدة، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ..

كل عام وانتم بألف خير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى