أنا لست ابن عثيمين

ظهر خلال الأيام القليلة الماضية مقطع مسجل وعليه صورة وصوت يماثل بصمة صوت الشيخ العلامة ابن عثيمين رحمه الله، وفي التسجيل يقول: أنا لست ابن عثيمين، وهذه نبرة صوته وليست بحقيقية، والذي يتكلم الآن هو الكمبيوتر، ونشر هذا عبر الذكاء الاصطناعي، فالمرجو الانتباه لمثل هذه الأمور والحذر والتأكد من المصدر والفتوى، وأخذ العلم من المصادر الرسمية والمواقع الرسمية، حفظكم الله… ومثل ذلك الصوت هناك تسجيل مبثوث بصوت الشيخ صالح بن فوزان الفوزان، وقد يكون هناك تسجيلات أخرى لعلماء آخرين، وترد في هذا السياق فوائد عظيمة من البث على «يوتيوب.. هناك قصة الطالب الذي وقد إلى جامعة الملك سعود من دول آسيا الوسطى الدراسة الشريعة الإسلامية القصة رواها الأستاذ الدكتور عبد الله بن عمر المقبل، نقلا عن زميله الذي أجرى المقابلة مع الطالب، وكان مشفقاً عليه.
ان تكيد المشاق من تلك البلاد البعيدة، وعندما سأل الدكتور الطالب، تبين أنه في مستوى عال في كل علم، ولديه إلمام كبير بالشريعة الإسلامية على المذهب الحليلي، وله معرفة بعلم الحديث واللغة العربية، فسأله الدكتور الذي أجرى المقابلة بدهشة عن هذا العلم وكيف اكتسبه، فقال له الطالب إنه استمع إلى خمسة آلاف ساعة تسجيل للشيخ ابن عثيمين على يوتيوب». ويفهم منه أنه كان يتابعها وحفظها واكتسب منها هذا العلم.
يعلق الدكتور راوي القصة بأن من ثبت نبت، وهذه القصة هي ثمرة طبيعية التوظيف التطبيقات الحديثة في نشر القرآن، وكذلك التحذير من القراءات الخاطئة، وهذا يطرح سؤالاً حول الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في اكتساب المعرفة العلمية والشرعية وقراءة القرآن، إذ أن تحميل هذه الخمسة الاف ساعة في تطبيق معين ممكن جداً، مما يعني توفير مصدر موثوق به للتعلم واكتساب المعرفة الصحيحة بالفقه الإسلامي وأحكامه غير تطبيق على الجوال، واستخدامه في الإجابة على الأسئلة التي تطرح نفسها على المسلم بصفة عامة، وطالب العلم بصفة خاصة.
ويستحسن في حالة علمائنا الكبار أن تكون هناك لجنة للوقف والتراثهم العلمي، ولجنة للمراجعة ومتابعة هذا التطبيق المقترح، فإن تم تكوين لجنة . وقف للتطبيق، فإنه سيصبح مصدراً موثوقاً ومرجعاً مؤصلاً للاستفادة واكتساب المعرفة.
وفي الحقيقة، صار الذكاء الاصطناعي سيفاً ذا حدين، فهو قادر على أن يكون مساعداً لكل طالب علم ولكل كاتب ولكل باحث، والعكس صحيح. وكاتب السطور عندما يريد توثيق معلوماته أو معرفة معنى كلمة ترد في مقالاته، سواء فيما يتعلق بالبطالة أو معدلات النمو أو حجم الاستهلاك على منتجات محددة أو معرفة منتج لشركة منافسة، فإنه يضطر إلى البحث في مصادر تأخذ الكثير من الوقت والجهد للوصول إلى المعلومات المطلوبة ولكن مع الذكاء الاصطناعي، تستطيع أن تسأله عن أي نسبة أو معدل بطالة. أو غيره، فيأتيك به في وقت وجيز، ويأتيك بالمصدر والصفحة التي ذكرت فيها معدلات الفائدة أو النمو أو المبيعات أو البطالة.
فالذكاء الاصطناعي يمكن توظيفه في الاتجاهات المختلفة، سواء سلياً أو إيجاباً، ومن هنا تأتي أهمية المصدر الموثوق والتطبيق الصحيح، حتى لا يستخدم البعض الذكاء الاصطناعي في جوانب سلبية وهنا يفرق كاتب السطور بين المصدر الموثوق عبر تطبيق معتمد وبين مواكبة الفتوى للتطورات الحياتية والمكانية، فهذا مجال مختلف، فالأمور بأوقاتها وأزمانها. وما أقصده أن التطبيق إذا صمم بطريقة احترافية، فإنه سيمنع التزوير والتحريف، وفي نفس الوقت يستطيع أن يكون مصدراً للذكاء الاصطناعي نفسه بما يساعده على استخدام المادة الموجودة للإجابة على سؤال السائل، كان يقول: هذا السؤال أجاب عليه فضيلة الشيخ ابن عثيمين بقوله كذا وكذاء. كما أن التطبيق الموثوق لا يعطي الذكاء الاصطناعي إلا ما توفر له من المصدر.
ومن الفوائد الأخرى التطبيق أنه يساعد الطالب على تعلم النطق السليم وعلى قراءة القرآن الكريم بصورة صحيحة. وقد يتوسع التطبيق في استخدام الإرشاد التربوي للطلاب وتحفيزهم على تعلم القراءات القرآنية، سواء كانت بقراءة نافع أو عاصم أو حمزة أو عبد الله بن عامر أو عبد الله بن كثير أو أبو عمرو بن العلاء أو علي الكسائي، أو حتى الروايات والقراءات العشر، وذلك بإضافة ثلاث قراءات إلى هذه السبع، بروايات أبي جعفر، ويعقوب، وخلف. وفي المملكة، رواية شائعة هي رواية حفص عن عاصم، ولعلها منتشرة في كثير من بلدان العالم الإسلامي والمفيد في استخدام التطبيق في القراءات أنه يعلمك النطق الصحيح للقرآن الكريم ويعلمك أحكام التجويد ولو بطريقة غير مباشرة، أي من خلال قراءة المقرئ في التطبيق والاستماع إليه.
وحتماً يحتاج الطالب في مراحل لاحقة إلى قراءة القرآن على عالم يعلم القراءات وأحكام التجويد، لأنه من المعروف أن الحفظ يتم بإجازة من شيخ وينبغي لهذا الشيخ أن يكون قد أخذ القراءة بالتسلسل الصحيح إلى المنبع الأصلي. أي إلى رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام.
وتنبع أهمية التطبيق الموثوقى في تيسير قراءة القرآن بصورة صحيحة والحد من توظيف الذكاء الاصطناعي سلباً، فأعداء القرآن لا ينضب لهم معين ولا شر، كما أن اللغة العربية، وهي لغة القرآن، واحدة من أكثر اللغات تنوعاً وتفرداً، فإذا غيرت نطق حرف من أحرف تلك اللغة، فإنه يغير المعنى بشكل جذري، ولذلك من الضروري الحرص على تعلم كافة قواعد التجويد والنطق الصحيح، للحفاظ على المعنى الخاص بكل آية قرآنية، وحتى لا تفسد أجر تلاوتك للقرآن ..
التطبيق المتطلع إليه هو المدخل للمواكبة والتحفيز والتعمق في علوم التجويد ونطق كافة أحرف القرآن بدقة، وفي نهاية المطاف، الأمر متروك السادتنا العلماء، فهم أهل لذلك حفظهم الله ونفعنا بعلمهم.